هو علم من أعلام بلدي، طبع بصمته الكبيرة خلال مسيرة طويلة من العطاء في الأدب، وهو شاعر الوطن الذي يعطينا أملاً بأن كل الأزمات ستنتهي، وبأن لبنان العظيم سيشرق من جديد.

إنه الشاعر المبدع ​رفيق روحانا​، الحاصل على جائزة الشاعر الكبير سعيد عقل، والذي يحل ضيفاً عزيزاً علىموقع "الفن"، بعد تكريمه مؤخراً من وزارة ​الثقافة اللبنانية​.

نبارك لك تكريمك من ​وزارة الثقافة اللبنانية​، ما الذي أضافه إليك هذا التكريم؟

هذا التكريم كان يجب أن يقام في عام 2019، لأن الدرع التكريمي الذي تسلمته من وزارة الثقافة موقّع في عام 2019، ولكن يبدو أن الظروف لم تسمح بتكريمي في ذلك الوقت، إلا أن التكريم تحقق في 27 أيار 2025 الماضي، في قصر الأونيسكو، وبسعي من منتدى شهرياد لصاحبه الشاعر نعيم تلحوق. كان هناك حوالى 20 شاعراً تحدثوا عني وعن أعمالي، وهذا التكريم أعطاني حقاً لناحية أني قمت بشيء في هذه الدنيا.

هل هذه المرة الأولى التي يتم فيها تكريمك من وزارة الثقافة اللبنانية؟

نعم صحيح، ففي الماضي طلبنا قاعة وزارة الثقافة لنقيم فيها مهرجاناً لشحرور الوادي، فسألني الوزير الذي كان حينها: "رئيس بلدية وين كان شحرور الوادي؟"، عندها لم أقبل أي مساعدة منهم، فهو لا يعلم من هو شحرور الوادي.

عندما نقول رفيق روحانا يعني "ملكوت الشعر"، ولكن هذا الملكوت غائب منذ سنوات، لماذا؟

توقف "ملكوت الشعر" بعد أن كان استمر 24 عاماً، فأنا بدأت به في العام 1993، ولكني توقفت حين انتشر فيروس كورونا في لبنان، لأنه صار صعباً أن أجمع الشعراء، وبعد فيروس كورونا جاء الغلاء، وأصبح صعباً أن يحضر الناس من زحلة وصور وطرابلس وغيرها من المناطق اللبنانية البعيدة عن عشقوت، ويكتبّدوا تكلفة النقل، حتى لو كانت الأمسية الشعرية مجانية. "ملكوت الشعر" عمل كثيراً، وأقام نشاطاً ثقافياً مهماً في لبنان.

فلنرجع بالذاكرة إلى أهم الأسماء التي كانت تجتمع في "ملكوت الشعر".

كل الأمسيات كانت برعاية الشاعر سعيد عقل، وإن لم يتكمن من الحضور، كان يرسل مندوباً عنه، وفي أغلب الأوقات كان يحضر عنه الدكتور أنطوان الحاج، ويترأس الأمسيات، لا أريد أن أدخل في أسماء الشعراء كي لا أنسى أحداً منهم.

ربطتك علاقة صداقة بالأديبة والمؤرّخة ​مي مرّ​ وعائلتها، ماذا تخبرنا عنها؟

مي مرّ هي "أم لبنان"، أنا عشت في منزل أسرتها مثلما عشت في منزلي، وكانت لديها محبة تجاهي واحتضنتني، رحمها الله ورحم زوجها المهندس ألفرد المر، وأطال بعمر أولادها الأحياء. أنا حصلت على جائزة المهندس كمال المر، التي أسستها مي مرّ على اسم ابنها، قبل حصولي على ​جائزة سعيد عقل​. مي مرّ في قلبي وبيتي وشعري وبكل تصرفاتي، أنا لا أنساها.

هل هناك من فكرة جديدة مثل "ملكوت الشعر"؟

أصبح عمري 83 عاماً، والصحة لا تعود تساعدك، والنشاط يخف، ولكن لدي حلماً بأن يلتقي 12 شاعراً كبيراً كل شهر في منزل أحدهم، ويستعرضوا إلى أين وصل الشعر والفكر والثقافة ولبنان، وحتى أين أصبح الله، لأنه الموضوع الأهم في حياتي.

هل أهديت كل كتاباتك إلى الله؟

عندما يعمل الإنسان على موضوع معيّن وينطلق من الله، أو يهدف من خلاله إلى الوصول إلى الله، فهذا يعني أنه يعمل على شيء عظيم. هذا الكون فيه ملايين المجرّات، وكل مجرّة هي أكبر حجماً من مجرّتنا بمليون مرة، وإن لم ترَ هذه المجرّات صغيرة، تكون أنت صغيراً. من صنع كل هذه المجرّات؟ هذا العظيم والكبير الذي نسمّيه الله، فمن ليس سقفه الله، يكون سقفه منخفضاً جداً.

عبارة "لبنان العظيم" ترافق رفيق روحانا دائماً، كيف ترى لبنان اليوم؟

مرّ لبنان منذ أيام الفرس والعثمانيين، وكل الغزاة الذين جاؤوا إلى وطننا، بمراحل كثيرة أصعب من المرحلة التي يمر بها اليوم. لبنان أرض مقدّسة، فهو أرض الله التي يحتضنها ولا يتركها. لبنان سيعود كبيراً وعظيماً، وأفضل من ما كان.

كيف تمضي أيامك؟

لدي حديقتي الكبيرة في عشقوت، أعيش فيها، وأزرع زهوراً لتكرّم وجه السماء، أعيش بقناعة وراحة بال وطيبة قلب، أما بالنسبة إلى الكتابة، فأصبحت صعبة بالنسبة لي، لأني لم أعد أرى جيّداً، وهذا أمر يزعجني، ولكني أحب أن يقرأ لي أحد ما كتبته منذ زمن. زوجتي تقرأ لي أحياناً، فأسترجع كتاباتي، وأستغرب كيف كنت أكتبها بأسلوب جميل جداً.

هل الكلمة المكتوبة والكلمة المغنّاة بخير؟

أحياناً أقول لزوجتي إنه لم يعد هناك شيء يشبهني، خصوصاً في الأغنيات والموسيقى، إما أنا الخطأ أو هم الخطأ، لا أدري، ولكن ما أعلمه هو أن الكون يسير على أشياء ليست عميقة، وبما أني شاعر، أحاول أن أفهم ما يغنيه هذا المغني أو هذه المغنية، فلا أفهم، لا أفهم اللفظ ولا الصوت، ولا حتى المعاني.

بالنسبة إلى الشعر، هناك عدد كبير جداً من الشعراء العظماء، وهناك موجة شعر في لبنان، تذكّرني بالكلام الذي قاله الأديب الفرنسي جان كوكتو: "اللبنانيون هم شعب شاعر"، وكلامه صحيح، ما من بلد في العالم مثل لبنان، يعطي هذا الكم من الشعر الذي لديه قيمة.

هل كلمة الشاعر لا زالت تؤثر في المعنيين بها والمسؤولين؟

إن لم تؤثر الكلمة اليوم ستؤثر غداً، كل كلمة كتبها الأخوان رحباني وغنّتها فيروز، لا زالت تهزّ ضمير لبنان، وتؤثر، وتعطيك احساساً أن بلدك لا يموت. الكلمة التي كتبها الشعراء، وغنّاها الكبار، منهم صباح وفيروز ووديع الصافي وزكي ناصيف، تبقى وتؤثر. اسمع الأخوين رحباني اليوم، ستشعر أن لبنان لا زال عظيماً، حتى وإن كان يعاني.

وبكلمتك أيضاً نشعر أن لبنان عظيم، خصوصاً في أغنية " قوة محبة يا ثورة شعب بلادي" التي غنتها الفنانة جوليا بطرس ولحنها الملحن زياد بطرس، وتقول في كلماتها: "أنا بنت الحرف اللي قطع المدى".

أحسنت، أسعدتني لأنك حفظت الأغنية وتعرف كلماتها. في أحد الأيام كنت مع أخي الشاعر جورج شكّور في السيارة، رحمه الله، وشغّل إبنه نشيد "قوة محبة"، فقال لي جورج: "كلمات هذا النشيد تدل على أن كاتبه هو شاعر كبير"، فقلت له: "لقد وضعت إصبعك على جرحي". تصوّر أن صديقي جورج شكوّر، لم يكن يعلم أني أنا كاتب نشيد "قوة محبة"، وذلك لأنهم لا يقولون على الإذاعات اسم الكاتب واسم الملحن. عندما كنت مدير البرامج في راديو كابيتول، كان هناك شرط على كل مذيع، أنه عندما يريد أن يبث أغنية، عليه أن يقول اسم كاتبها وملحنها، والستوديو الذي تم فيه تسجيل الأغنية.

عدنا معك إلى زمن جميل مع راديو كابيتول.

كنت فيها مدير البرامج لعشر سنوات، ونحن أول من بدأ في البث الإذاعي 24 ساعة على 24، كنت أقدم عبرها برنامج "ع مهلك يا نص الليل"، وأطلب من المستمعين أن يقولوا شعراً.

بالعودة إلى الأغنيات التي كتبت كلماتها، هناك "من لما التقينا" غناء السيدة ماجدة الرومي، أغنية "وين مسافر" وأغنية "يا قصص" غناء الفنانة جوليا بطرس، وغيرهما من الفنانين والفنانات، ولكن ما الذي غناه المطرب وديع الصافي من كلماتك؟

وديع الصافي غنّى من كلماتي نشيد "الملكوت" ملكوت الشعر، وهو لحّنه أيضاً، وكنا نبدأ به كل أمسية شعرية، وتقول كلماته:

"هاك اللي حلمن حققوا حد السما بعشقوت

مطرح ما هنّي بيلتقوا مش أقل من ملكوت

لغيوا المسافة والزمن حبّوا البشر فوق الوطن

شافوا الدني كلّا الليل الحلا والله

ما أروعه تالوت بيشيلك من التراب للملكوت".

ما الذي أخذته من هذه الحياة؟

إذا كان لديك قلب طيّب، تعال وادخل إلى قلبي، وإذا كان قلبك ليس طيّباً فلا أريدك. "طوبى للجائعين فإنهم يشبعون"، "طوبى للعطاش فإنهم يرتوون"، "طوبى لأنقياء القلوب فإنهم يعاينون الله"، وكل علماء اللاهوت يجمعون اليوم، على أن الجنة هي أنك ترى وجه الله، وجهنم هي أنك لا ترى وجه الله، لا السماء هي مكان ولا الجنة هي مكان، بل هما حالة، ولمن صنعت هذه الحالة؟ صنعت لأنقياء القلوب، لأنه إذا كان قلبك طيباً فأنت تملك الكون.

هل من كلمة في الختام؟

أقول لـ هلا المر ولكل آل المر، إنهم ليسوا آل المر مثلما قال والدي لـ مي مرّ: "بدنا نغيّر كلوة مي مرّ بالمي المصلاية"، فأنا أقول لكل آل المر أنتم أحباب قلبي، وأنتم الناس الطيبون.